قال البيهقي ــ رحمه الله ــ في ( المساوئ و المحاسن ) :
قال الأصمعي : حدثني رجل من الأعراب قال :
...
خرجت من الحي أطلب أعق الناس وأبر الناس ، فكنت أطوف بالأحياء ،
حتى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبل يستقي بدلو لا تطيقه الإبل ،
في الهاجرة والحر الشديد ، وخلفه شاب في يده رشاء من قد ــ بكسر القاف ،
أي حبل من سوط ــ ملوي يضربه به ، قد شق ظهره بذلك الحبل ،
فقلت : أما تتقي الله في هذا الشيخ الضعيف ؟
أما يكفيه ما هو فيه من مد هذا الحبل حتى تضربه ؟
قال : إنه مع هذا أبي .
قلت : فلا جزاك الله خيرا .
قال : اسكت ، فهكذا كان هو يصنع بأبيه ، وكذا كان أبوه يصنع بجده .
قلت : هذا أعق الناس .
ثم جُلتُ أيضا حتى انتهيت إلى شاب ، في عنقه زنبيل ــ أي قفة ــ فيه شيخ كأنه فرخ ،
فكان يضعه بين يديه ، في كل ساعة ، فيزقه ــ أي يطعمه ــ كما يزق الفرخ ،
فقلت : ما هذا ؟
قال : أبي وقد خرف ــ بفتح الخاء وكسر الراء ــ ، وأنا أكفله .
قلت : فهذا أبر العرب .